سورة الأنفال - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
روي أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين أشار إلى بني قريظة بالذبح. قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت هذه الآية. فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي. الخبر مشهور. وعن عكرمة قال: لما كان شأن قريظة بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس، فلما انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام، فقلت: هذا دحية يا رسول الله؟ فقال: «هذا جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل: فإني أدخل فرسي هذا عليهم». فركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسا معروري، فلما رآه علي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لا عليك ألا تأتيهم، فإنهم يشتمونك. فقال: «كلا إنها ستكون تحية». فأتاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «يا إخوة القردة والخنازير» فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشا! فقالوا: لا ننزل على حكم محمد، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزل. فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «بذلك طرقني الملك سحرا». فنزل فيهم {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. نزلت في أبي لبابة، أشار إلى بني قريظة حين قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، لا تفعلوا فإنه الذبح، وأشار إلى حلقه.
وقيل: نزلت الآية في أنهم يسمعون الشيء من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيلقونه إلى المشركين ويفشونه.
وقيل: المعنى بغلول الغنائم. ونسبتها إلى الله، لأنه هو الذي أمر بقسمتها. وإلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكهِ وَسَلَّمَ، لأنه المؤدي عن الله عز وجل والقيم بها. والخيانة: الغدر وإخفاء الشيء، ومنه: {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} 40: 19 وكان عليه السلام يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة». خرجه النسائي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، فذكره. {وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ} في موضع جزم، نسقا على الأول. وقد يكون على الجواب، كما يقال: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. والأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد. وسميت أمانة لأنها يؤمن معها من منع الحق، مأخوذ من الأمن. وقد تقدم في النساء القول في أداء الأمانات والودائع وغير ذلك. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي ما في الخيانة من القبح والعار.
وقيل: تعلمون أنها أمانة.


{وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}
كان لأبي لبابة أموال وأولاد في بني قريظة: وهو الذي حمله على ملاينتهم، فهذا إشارة إلى ذلك. {فِتْنَةٌ} 10
أي اختبار، امتحنهم بها. {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
فآثروا حقه على حقكم.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
قد تقدم معنى {التقوى}. وكان الله عالما بأنهم يتقون أم لا يتقون. فذكر بلفظ الشرط، لأنه خاطب العباد بما يخاطب بعضهم بعضا. فإذا اتقى العبد ربه- وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه- وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعفة عن المال، جعل له بين الحق والباطل فرقانا، ورزقه فيما يريد من الخير إمكانا. قال ابن وهب: سألت مالكا عن قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً} قال: مخرجا، ثم قرأ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}. وحكى ابن القاسم وأشهب عن مالك مثله سواء، وقاله مجاهد قبله.
وقال الشاعر:
ما لك من طول الأسى فرقان *** بعد قطين رحلوا وبانوا
وقال آخر:
وكيف أرجّي الخلد والموت طالبي *** وما لي من كأس المنية فرقان
ابن إسحاق: {فُرْقاناً} فصلا بين الحق والباطل، وقال ابن زيد. السدي: نجاة. الفراء: فتحا ونصرا.
وقيل: في الآخرة، فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10